الأربعاء، 25 نوفمبر 2020

الحضارة المزيفة /بقلم مرشد سعيد الاحمد

 قصة قصيرة

 بقلم:  مرشد سعيد الأحمد

                              الحضارة المزيفة

 بعد تخرجه من الجامعة وأدائه خدمة العلم عاد خلف إلى بلده تل مگأصيص ليتفاجأ بقرار الجهات المعنية بإيفاده إلى دورة خاصة بدمج التكنولوجيا بالتعليم بأشراف منظمة اليونسكو في حلب لمدة عامٍ كامل عاد بعدها إلى بلده ليكون الوحيد القادر على التعامل مع التقنية الحديثة والكومبيوتر. 

 تعرف خلال الشهر الأول من عودته على رجل محترم عاش فترة من عمره في أمريكا قضاها في دراسة الأدب الإنكليزي اسمه أبو يعقوب والذي يملك رخصة معهد لتدريس اللغة الإنكليزية وفق التقنية الحديثة واستطاع من خلال الدورات التي أقاموها التعرف على كبار الأطباء والمهندسين والمثقفين ممن يجيدون اللغة الإنكليزية وبذلك اكتسب خلف احترام الجميع واستطاع التعرف على الكثير من العوائل العريقة والمحترمة ومن مختلف الشرائح الاجتماعية. 

 ونظراً لجهل الناس بالكومبيوتر وطريقة تشغيله فقد أصاب الكثير منهم نوع من الإدمان على التعامل معه

 ومنهم الدكتور المعروف أبو حنا بعدما قام الأستاذ خلف بالسفر معه إلى دمشق لشراء كومبيوتر شخصي.  

 وأصبح يسهر مع الدكتور في بيته يدربه أصول البرمجة 

 وبعد عدة أيام تفاجأ الأستاذ خلف بدخول زوجة الدكتور غاضبة ووجهت كلامها إلى زوجها بالعامية قائلة: 

 # وبعدين معك ومع هالكمبيوتر#

 فرد عليها الدكتور قائلاً:  خذي مفاتيح السيارة واذهبي مع الأولاد إلى كافتيريا تناولوا طعام العشاء

 فردت عليه بصوت عالٍ:  لا أريد السيارة لا أريد النقود لا أريد مطاعم وكافتيريات أنا أُريدك أنت فقط

 ثم التفتت إلى خلف وقالت له:  افهمني يا أستاذ خلف أنا أريد زوجي افهمني أرجوك. 

 وعندها غادر خلف البيت بصحبة الدكتور بعدما أخبرته إحدى المشافي بوجود حالةٍ إسعافية

 وفي اليوم التالي اتصلت زوجة الدكتور بالأستاذ خلف في مقر عمله بالهاتف الأرضي لتقدم اعتذارها عن تصرفها وأضافت قائلةً:  أتمنى أن يكون زوجي عامل بسيط يذهب إلى عمله في الصباح ويعود بعد الظهر ويجلس معي بين أولاده نتناول وجبة الغداء وأشعر بأني زوجة لأب

 وأم لأولاده لا مُرَبِّيَة لهم.  

 وعندها بدأ خلف يخفف زياراته وسهراته عند الكثير من أصدقائه وخاصة المتزوجين. 

 من خلال زيارته لصديقه مدير مدرسة أم الشهيدين أحب خلف معلمة في المدرسة من طرف واحد دون علمها بعد أن أُعجِب بشخصيتها القوية وأناقتها وجمالها وكلامها ومنطقها وأراد أن يتزوجها بالطريقة التقليدية حسب العادات والتقاليد دون أن يعرف أي شيء عن ماضيها العاطفي.  ولكن الصدمة كانت قوية عندما أراد المدير أن يفتح الحديث بينهما في الإدارة قائلا لها:  

 عندي صديق شاب مثقف وحضاري ويحمل شهادة جامعية معجب بكِ ويريد أن يتحدث معك بموضوع خطبة وزواج إذا كنت غير مرتبطة بعلاقة مع أحد

 فردت عليه بضحكة باردة هذا المثقف مرفوض

 وقالت باللهجة العامية # لا عاش عمره وعمر حضارته #

 وعندما أراد المدير أن يتدارك الموقف قاطعته قائلة: 

 الإنسان الحضاري يااستاذ يتحدث مع عشيقته في حديقة بين الورود أو في مقصف أو كافتيريا أو.  . . 

 وعندها خرج خلف من الإدارة مصدوماً ومحبطاً وتبعه المدير ليخفف عنه هول الصدمة لكن دون جدوى. 

 وبعد هذا الموقف أصبحت حالة خلف النفسية مزرية وأصبح مزاجه عصبي مع الدارسين ومع أصدقائه

 وكان يجلس في مقر عمله أكثر من ساعتين قبل الدوام يدخن السجائر ويستمع إلى أغنية ظلموه للمطرب

 عبد الحليم حافظ وهو يردد: 

 #ظلموه القلب الخالي ظلموه

 قابلوه شبكوه وارتاحوا لما شغلوه#

 وكأن هذه الكلمات بالنسبة له هي اعتراف من شخص واحد على الأقل حتى لو لم يكن على قيد الحياة على ظلم المجتمع الذي لا يحترم إلا الإنسان الفاسق بالرغم من كل إمكانياته العلمية والأخلاقية والاجتماعية فيتذكر جلوس كبار الأطباء والمهندسين والمثقفين ليتعلموا منه علوم الكومبيوتر باللغة الإنكليزية ويمر أمامه شريط ذكريات مغامراته مع الفتيات في الجامعة وخارجها وكيف كسب الرهان من بعض زملاؤه عندنا سرق قبلة من خد إحدى زميلاته في ساحة الكلية وكيف كان يتعامل مع بعض البنات أثناء حلقات الدبكة والحركات التي يقوم بها أثناء تشابك الأيدي.  

 وفجأة يتغير سلوكه فيطفئ المسجلة ويعتبر أن ما جرى له ما هو إلا عقاب رباني بما فعله بأعراض الناس

 فيجلس يستغفر ربه ويكثر من ترديد الدعاء

 اللهم لا تعاملنا بأعمالنا عاملنا برحمتك يا ارحم الراحمين فينشرح صدره عندما يتذكر كلام أحد المشايخ

 عندما اشتكى له همه حين قال: 

 (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون )

 وقوله تعالى (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شرٌّ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)

                                انتهت 

بقلم : مرشد سعيد الأحمد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لبيك ياقدس /بقلم صلاح زقزوق

 لبيكِ ياقدسُ           ********* لبيكِ لبيكِ ...       ياقدسُ لبيكِ أرواحنا تسرى ...      تهفو إليكِ بوركتِ ياقدسُ ...                     ...